ستون عامًا منذ تسجيل براءة اختراع الباركود: التقنية التي مهّدت لثورة تجارية غير مسبوقة

رجوع
Ahmed Zidan
أكتوبر 15 2012
تكنولوجيا
ستون عامًا منذ تسجيل براءة اختراع الباركود: التقنية التي مهّدت لثورة تجارية غير مسبوقة
شارك هذا المقال
في الثامنة صباحًا من يوم 26 يونيو/حزيران 1974، وفي متجر مارش في ولاية أوهايو الأمريكية، سحب كلايد دوسون علبة علكة ريجلِز بالفاكهة من سلة مشترياته، وقدمها للصرّاف بيوكانان شارون، الذي بدوره مسحها ضوئيًا بجهاز ليزر ليعلن عن أول استخدام تجاري للباركود، أو الشفرة الخيطية.

بعد خمسة أسابيع فقط من تركيب ماسحات الباركود، زادت مبيعات المتاجر بنسبة 10 – 12%، بينما انخفضت تكاليف تشغيل المخازن بنسبة 1 – 2%، والذي ساهم في تخفيض الأسعار. درّت الاستثمارات في ماسحات الباركود عائد ربح وصل إلى 41.5%، وبحلول عام 1980، كان حوالي 8،000 متجر ينتقل لاستخدام تقنية الباركود سنويًا.


ما هي هذه التقنية الثورية وما هو تاريخ اختراها وكيف تعمل وما هو سبب شهرتها العالمية الطاغية في كافة القطاعات التجارية؟

أول خطوة موثّقة نحو الباركود، قام بها وَلاس فلينت، خريج إدارة الأعمال بجامعة هارڤارد، حينما كتب بحثًا بعنوان "البقالة الآلية" عام 1932، شرح فيه استخدام نظام أتمتة السلع لمتابعة تدفق البقالة من الرفوف، عبر البطاقات المثقوبة المميِّزة لكل سلعة، ولكن حال الكساد الكبير دون تعميم الفكرة.

          

إنما الباركود كما نعرفه حاليًا، فكر فيه برنارد سيلڤر، خريج معهد التقنيات بجامعة درِكسل، بالاستعانة بصديقه نورمان جوزِف وودلاند، عندما تولى الأول رئاسة سلسلة متاجر فود فير في مسقط رأسه في فيلادلفيا عام 1948.

وضع الثنائي نظامًا مستلهمًا من "شفرة مورس" يعمل بالحبر فوق البنفسجي لقراءة بيانات المنتجات قبل بيعها، ولكن نظرًا لتكلفة النظام، باءت هذه المحاولة بالفشل. استكمل الصديقان العمل حتى تقدما يوم 20 أكتوبر/كانون الأول 1949 ببراءة اختراع الباركود لمكتب الولايات المتحدة لبراءات الاختراع والعلامات التجارية، وهي البراءة التي أُقرّت رسميًا بعدها بعامين، تحديدًا في 7 أكتوبر 1952.

أثناء هذه الأثناء، كانت هناك بعض المحاولات في الستينات بفضل ديڤيد كولينز، طالب الدراسات العليا بجامعة ماسِتشوزِس لتقنيات المعلومات والذي كان يعمل في شركة سيلڤانيا للمنتجات الإلكترونية، حيث تم دمج الباركود على جوانب القطارات للتمييز الآلي بين الشركات والقطارات المختلفة، وتعيين مواعيد المغادرة والوصول، ولكن فشلت التقنية لصعوبة التتبع بالإضافة لارتفاع ثمنها.

لم يُستخدم الباركود تجاريًا سوى بعد أكثر من عشرين عامًا لعدم وجود تقنية لمسحه ضوئيًا في ذلك الوقت – الليرز. طوّرت شركة أي بي إم، بمساعدة وودلاند ذاتة، الباركود كما نعرفه اليوم، أو رمز المنتج العالمي (UPC)، لتفادي مشاكل في طباعة الجيل الأول.

لم يتربح أيّ من سيلڤر، الذي مات في حادثة مرورية عام 1963، أو وودلاند من النجاح التجاري الكبير الذي أصابه الباركود، كونهما باعا التقنية بمبلغ زهيد لشركة فيلكو، الآن جزء من فيليپس، عام 1962، قبل أن تبيعها فيلكو لاحقًا للهيئة الإذاعية الأمريكية (RCA). انقضت صلاحية براءة الاختراع عام 1969، بعد سبعة عشر عامًا من تاريخ إقرارها بحسب القانون الأميركي في ذلك الوقت.

ما هو الباركود؟


عرب نت مُشفّرة بترميز 128

يتكوّن الباركود التقليدي من فراغات بيضاء بين خطوط سوداء متوازية مستقيمة – شفرة أُحادية البُعد ( 1D). ولكن فيما بعد، أُنتجت شفرات على هيئة مربعات، نقاط، سداسيات، وأنماط هندسية مختلفة – شفرات ثنائية الأبعاد.

تتعدد خانات الباركود، بحسب نماذجه المتعددة، من 5 إلى 13 خانة، مما يجعل بعض النماذج تسمح بتوافيق تصل إلى مليار رقمًا فريدًا، وهو عدد كبير، إذا أخذنا في الاعتبار أن عددًا من خانات الباركود، غالبًا خمسة أو ستة، تمثل شركة بعينها، وعددًا آخر مساويًا من الخانات يمثل منتجًا من منتجات هذه الشركة.

يوجد أكثر من 5 مليون باركود فريد حول العالم، حسب جهاز تنظيم جي.إس 1، وهي جمعية غير ربحية عالمية لتحسين كفاءة ومراقبة سلسلة العرض والطلب، وهي كذلك جهة إصدار الباكود.

أشهر ترميز مقبول عالميًا للباركود هو كود 128، حيث يستطيع ترميز كمية معلومات كبيرة في حيز ضيق (عالي الكثافة)، على خلاف كود 39 الذي لا يسمح سوى بمزج الحروف الأبجدية، الأرقام من 0 إلى 9، وبعض الرموز.


عرب نت مُشفّرة بترميز 39

كيف يعمل الباركود؟

يُسلّط شعاع الليزر على الباركود، ثم يرتد مرة أخرى من الأعمدة البيضاء فقط حيث أن الأعمدة السوداء تمتص الضوء، فيقوم بحساب المسافات بين الأعمدة البيضاء لفكّ الشفرو. يقوم كاشف الضوء الموجود في القارئ بتحليل الأشعة المنعكسة، ثم يرسل هذه البيانات إلى حاسوب لمطابقة هذه الشفرة مع الشفرات المخزنة لديه، فيستخلص كافة المعلومات المرتبطة بالمنتج، مثل السعر، الشركة، الكمية، إلخ...

يُطبع رقم الباركود أسفل الرمز، كي يُدخله الصرّاف يدويًا في حالة تعطّل الماسح، ولكن تستهلك هذه الطريقة وقتًا أطول.

استخداماته ومنافعه

ساهم الباركود في انتشار مفهوم "التقاط بيانات المُعرّف آليًا" (AIDC)، أمّا استخداماته فلا حصر لها، نذكر منها على سبيل المثال: منتجات متاجر التجزئة والجملة، ماكينات الوزن، والمخازن؛ البضائع المشحونة، جوابات البريد والطرود؛ القطاع الصحي؛ جوازات المرور على متن الطائرة؛ تذاكر الأماكن الترفيهية، وسائل النقل، ومواقف الانتظار؛ بطاقات العضوية، الولاء، والبطاقات البنكية؛ الملفات المكتبية والوثائق الرسمية؛ النفايات النووية؛ لوحات أرقام السيارات؛ بالإضافة لمنتججات وخدمات أخرى كثيرة.

أحدثت التقنية الجديدة ثورة تجارية كبيرة وتعددت منافعها بالنسبة للتجار وأصحاب الأعمال على السواء: حيث سمحت بتوليد بيانات مفصّلة عن حركة البضائع مما أسهم في سرعة الاستجابة لاحتياجات العملاء وسلوكهم الاستهلاكي؛ تعيين البضائع ذات الإقبال الكبير لزيادة إنتاجها ووضعها في مكان أفضل في المتجر، وكذلك تعيين البضائع ذات الإقبال الضعيف لتقليل حجم الخسائر؛ أبحاث السوق وتوقعات مواسم الشراء والتنزيلات؛ التسويق الموجه؛ تتبع السيارات المستأجرة، وأمتعة شركات الطيران؛ حفظ بيانات المريض وتاريخ دخوله للمستشفى؛ تتبع مواعيد وصول ومغادرة الموظفين؛ سهولة تحديد التذاكر المكررة والمزورة؛ الحدّ من سرقة السلع من المتاجر؛ وسهولة إعادة تسعير المنتجات عبر تغيير السعر على قاعدة البيانات وتغييره كذلك على رفّ المنتج.

أمّا المستهلكون فقد استفادوا من سرعة عملية المحاسبة على أبواب المتاجر مما وفر وقتًا كبيرًا؛ سهولة تحديد أسعار المنتجات بدون تلاعب صرّافي المتاجر؛ التنزيلات على المنتجات؛ وتطبيق برامج الولاء ومكافأة العملاء الأكثر شراءً، إذا اختار العميل الاشتراك في إحدى هذه البرامج.

دخل الباركود في العلوم كذلك، حيث وضع علماء الأحياء الباركود على النحل لتعقب عادات التزاوج.

رغم هذا الاكتساح، إلا أن بعض منتجي النبيذ يرفضون وضعه على أقنيتهم لأسباب جمالية.

            

على صعيد الفن، رأينا المغنية الأمريكية پينك واشمة الباركود على عنقها الخلفي، بينما بعض الفنانين مثل سكوت بلِك، استخدمه في لوحة "باركود يسوع" ضمن الحركة ما بعد الحداثوية.

يرى البعض أن الباركود هو مرادف لثقافة الرأسمالية والاستهلاكية.

سبب شهرة الباركود

سبب شهرة الباركود هو بساطة الاستعمال؛ رُخص التكلفة، سواء تأجير شفرة خاصة من جي إس 1، أو اقتناء ماسحات الليزر الضوئية؛ وكذلك معدل الخطأ المنخفض جدًا.

تقنبة الباركود أرخص بكثير من تقنية كشف ترددات الراديو (RFID)، والأخيرة هي كذلك واحدة من تقنيات "التقاط بيانات المُعرّف آليًا."

يختلف الباركود عن الرقم المُسلسل، حيث أن الأخير يُعطى هوية كل وحدة مُنتجة سواء للأجهزة الإلكترونية؛ أوراق العملة؛ أو حتى للكتب في حالة الرقم الدولي المعياري للكتاب (ردمك). يحدّ الرقم المُسلسل من التزوير، ويساعد في تتبع الأجهزة في حالة السرقة أو الضياع، وكذلك يساعد في مراقبة الجودة.

تنويعات على نفس الشفرة

QRCode
صفحة التسجيل "لمؤتمر عرب نت الرياض 2012" مُدمجة في رمز للاستجابة السريعة

أغلب الهواتف الذكية تمسح الباركود ضوئيًا عبر تطبيقات مُدمجة. وكذلك تمسح رمز الاستجابة السريع (QR Code)، وهي التقنية التي طوّرتها تويوتا الياپانية في 1994.

إذا كان الباركود يُستخدم عند منافذ البيع لدفع مستحقات المشتريات وتحديث قاعدة بيانات المخازن، فإن رمز الاستجابة السريع هو وسيط متعدد البيئات، حيث قد يحمل بيانات رقمية، أبجدية، مزدوجة، وكذلك الحروف اليابانية المعقدة، كانجي. تقنيًا، يمكن دمج الاثنين معًا، وهذا ما قد نراه مستقبلًا.

يتكوّن رمز الاستجابة السريع من نقاط، ويستوعب حجم بيانات أكبر من الباركود التقليدي.

حظي رمز الاستجابة السريع بشهرة واسعة في الآونة الأخيرة، ويُعدّ الآن من أشهر الشفرات ثنائية الأبعاد. وكسائر هذه الفئة، فإنه لا يتم فحصها سوى بواسطة ماسح صور مزدوج الشحنة أو كامير رقمية متصلة، حيث قد يحوي الرمز على رابط ويب، صورة، ڤيديو، أو أي نوع من أنواع البيانات الرقمية أو الوسائط المتعددة. وبالرغم من أن الشفرات ثنائية الأبعاد تستخدم أشكالًا ليست شرائطًا بالضرورة – إلا أنه مازال يُطلق عليها باركود، أو الرمز الشريطي.

الجدير بالذكر أن علبة علكة ريجلِز بالفاكهة، التي كانت أول سلعة يتم مسحها بقارئ الباركود، بالإضافة لأول فاتورة يتم إصدارها عبر التقنية، مازالا محفوظان في أحد متاحف مؤسسة سميثسونيان بالعاصمة الأمريكية واشنجتُن.