من الإعلان إلى العمل المستمر

رجوع
Tom Roychoudhury
فبراير 20 2015
وسائل الإعلام الرقمية
من الإعلان إلى العمل المستمر
شارك هذا المقال

بالنسبة للوكالات الإبداعية، ثمة جانب إيجابي من التكنولوجيا، وجانب آخر أقل إيجابية. الجانب الإيجابي هو أن التكنولوجيا تتيح لنا أن نستفيد من الابتكار ونصل إلى وسائل «جديدة ومطوَّرة» للوصول إلى المستهلك. في المقابل، كثيرًا ما تتأخر الوكالات الإبداعية اليوم في التأقلم مع التغيرات شديدة السرعة في عالم التكنولوجيا، وتضطر هذه الوكالات إلى اللهاث السريع لمجرد البقاء في السباق.

تنطبق مقولة «الثابت الوحيد هو التغيُّر» على التكنولوجيا حرفيًا. وفي بعض الأحيان، لا تتمكن مهنة الإعلان -التي يصفها البعض بأنها ثاني أقدم مهنة في التاريخ- من مواكبة التغير بسبب سرعته الفائقة. والآن، بعد تحول الإعلان عبر السمعة الشفهية إلى الإعلان عبر السمعة على الإنترنت، وبعد أن غيّر التفاعل الرقمي مع المحتوى طبيعة إشراك المستهلك، يتوجب على الوكالات أن تعيد ترتيب أولوياتها، وأن تعيد بناء النماذج الإعلانية وتضعها في سياق جديد لتتأقلم مع المستقبل.

الإعلان بحلة جديدة تجريبية

التأقلم والتغير مفهوم جديد على وكالات الإعلان. فهذه الوكالات هي التي أشاعت عبارة «جديد ومطور»، ووضعتها على كل شيء من المُنظِّفات إلى أدوية الاحتقان والإلكترونيات وغيرها. ولطالما كانت عمليات كتغيير هيكلية الوكالة، وإنشاء أقسام جديدة، وإعادة التفكير في استراتيجية الموارد البشرية وإعادة صياغة الاستراتيجيات التجارية، أساسية في إدارة وكالة إعلانية. ولكن، عندما يتعلق الأمر بالاستفادة من التكنولوجيا (أي قبل خطوة من التأقلم معها)، تجد الوكالات نفسها في حاجة إلى نظرة مُعمَّقة لإعادة تقييم كل شيء من نقطة الصفر.

الوكالات الإبداعية اليوم هي في الواقع وكالات إنتاج محتوى. فقد بات عملها مزيجًا من «الحملات الإعلانية» و«العمل المستمر». معظم الوكالات معتادة على إعداد وتنفيذ الحملات الإعلانية. فهي تتقن نموذج العمل اللازم لبناء سمعة وهوية العلامة التجارية من خلال البحث والمعلومات المتعلقة بفكرة واحدة -أي نقطة التميز الفريدة USP- لمن يتذكر هذا الاصطلاح. ويتركز هذا النموذج على الإنتاج الباذخ، ويصل إلى المستهلكين عبر خطة إعلامية تتمحور حول المنتج وتركز على الاختصار. بعبارة أخرى، الحملات الإعلانية مُعلَّبة. اليوم، يتوجب على الوكالات أن تركز على صناعة التجربة بنمط العمل المستمر. بهذا النموذج، يحل الحوار -الذي يتضمن سماع صوت المستهلكين وآرائهم والتجاوب والتفاعل معهم- محل التواصل أحادي الاتجاه. فالإعلانات تفسح المجال أمام أنواع من المحتوى تركز على القدرة على نشر المحتوى وتوزيعه بسرعة وفعالية.

تتسابق الوكالات الإعلانية للتأقلم مع هذا التغير، من التواصل أحادي الاتجاه إلى عالم يتحاور فيه المستهلك مع العلامة التجارية باستمرار. وقد بدأ نموذج الخطوات الأربع (نشر الوعي فجذب الاهتمام فزرع الرغبة فالقيام بالفعل) يزول ليحل محله نموذج العمل المستمر الذي يتخذ من الإعلام الاجتماعي وسيلته الأساسية. ثمة مراحل متعددة تتضمن تشاركًا بين العلامة التجارية والمستهلك في الاهتمامات والأفعال والولاء والترويج وغيرها. وأساس هذا النظام الجديد هو المحتوى. فكل تفاعل بين العلامة التجارية والمستهلك، مهما صغر، هو جزء من المحتوى، ولذا لا غرابة في أن الوكالات الإعلامية اليوم تعيد تشكيل نفسها بحيث تركز على صناعة المحتوى وإيصاله إلى المستهلكين.

نوع جديد من المبدعين والوكالات الإبداعية

يتطلب التأقلم مع التغير نظرة جديدة كليًا إلى طريقة إدارة العمل. فالعروض الشاملة باتت أساسية في هذا العالم الجديد. ولضمان بقائها وبقاء المنتجات التي تروج لها، تتطلب الوكالات ما هو أكثر من تطور، فهي بحاجة إلى تغيير جذري وثوري وشامل. فعلى الوكالات التي تقوم اليوم بوضع استراتيجيات التفاعل مع المستهلك وتنفيذها أن تطرح الأسئلة الصحيحة لتتمكن من رسم صورة كاملة. وتوظيف مواهب جديدة يتطلب اليوم بحثًا عميقًا لاكتشاف مدى معرفة هذه المواهب بإمكانيات التكنولوجيا، والمجالات الجديدة، وسلوك المستهلكين الذي يتغير بشكل شبه يومي، إلخ.

إن الوكالات تبحث عن نوع جديد من «المبدعين العارفين بالتكنولوجيا»، والذين في إمكانهم الاستفادة من قوة التطورات التكنولوجيا لصياغة تجارب ممتعة ومحببة. يتم توظيف العاملين المتخصصين باستمرار، حسب قدرتهم على التأقلم مع المنصات الجديدة. على سبيل المثال، وفي هذا العالم الجديد، يجب على كُتَّاب محتوى الإعلانات أن يفهموا تخصيص محركات البحث SEO، وعلى المدراء الفنيين أن يتقنوا التعامل مع UX، وعلى العاملين في الإنتاج أن يفهموا صيغ الملفات وأحجامها أكثر من أي وقت مضى. تقوم بعض الوكالات بالبحث بشكل موسع لتجد أفضل من يمكنهم العمل في العالم الرقمي الصرف، أي متخصصين في أنواع معينة من المحتوى، كمنتجي الفيديو لمنصة Vine أو منتجي الصور لمنصة إنستاغرام، أو البارعين في كتابة التغريدات على تويتر، إلخ. ولا يتوقف الطريق نحو التغيير عند التوظيف. بل لا بد من إعادة تقييم طريقة هيكلة الوكالات والبيئة التي يعمل فيها هؤلاء العاملون بحيث يكونون هذا النوع الجديد من الموهبة. إذ يجب أن تكون الهيكلية الداخلية مرنة كي تتضافر التكنولوجيا مع إنتاج المحتوى بسهولة.

ينطوي هذا كله على مخاطرة بالطبع، وهي الانغماس الزائد في ما تقدمه التكنولوجيا إلى حد القناعة بأن التكنولوجيا بحد ذاتها هي الحل. لتجنُّب الوقوع في هذا الخطأ، على كافة الوكالات أن تتذكر أن التكنولوجيا ليست سوى وسيلة للتواصل. ليست الوكالات في حاجة إلى التحول إلى شركات تكنولوجية بين ليلة وضحاها، ولكن على كل وكالة أن تفهم التكنولوجيا وأن تتشجع على حيازة واستخدام الحلول والمنصات المبتكرة. ما زال العنصر الأساسي في العملية الإبداعية الإعلانية، في هذا العصر الرقمي، هو فهم سلوك الجمهور وبيئته واهتماماته وشغفه، إلخ. صحيح أن التكنولوجيا موجودة في كل مكان، ولكنها يجب أن تبقى كأنها «مخفية أمام عيني الناظر إليها».

إعداد عالم الإعلان للمستقبل

ما زالت نقطة التركيز الأساسية للوكالات الإبداعية -وستبقى كذلك دائمًا- هي ربط العلامة التجارية بالمستهلك. فمهمة الوكالات الأساسية هي إضافة قيمة للعلامة التجارية التي تروج لها، بالإضافة إلى حل المشكلات. وكل ما هو غير ذلك من عملها هي وسائل لتحقيق هذه المهمة. في هذا السياق، تقدم التكنولوجيا المزيد من المرونة للوكالات لتحصل على متطلباتها الأساسية. بعبارة أخرى، يصبح عمل الوكالات صالحًا للمستقبل بفضل التكنولوجيا.

أ) الهيكلية: لا بد للوكالات الإبداعية من أن تكون منفتحة على هيكلية مرنة. وفي مركز الدعوة للابتكار، لا بد من وجود مزيج من الأشخاص المناسبين، والعمليات التشغيلية الضرورية لصناعة وإيصال المنتج النهائي. وهذا يعني جمع الأشخاص المناسبين الذين يمتلكون المهارات الضرورية في الأماكن الصحيحة، والعمل ضمن هيكلية حرة ومنفتحة، وبناءً على نموذج تجاري يمكن مجموعة العمل من البقاء على الطريق الصحيح، والابتكار والازدهار. إن الطريق إلى المستقبل يقوم على هيكلية مرنة تُستَكمل بنموذج عمل يحول البيانات -البيانات الكبيرة عادة- إلى استبصار. كما أن من المهم أن يكون يشعر جميع المشاركين بالراحة التامة في هذه الهيكلية الجديدة.

ب) النماذج التجارية: يتطلب نموذج تجاري جديد نظرة معمّقة في إجراءات تقدير الأجور وحسابات العائدات وإعادة وضع الأرقام والاتصالات. إذا كان التشارك مع المستهلك المدفوع بالعالم الرقمي اليوم يتطلب العمل بنموذج الكلفة لكل عملية شراء، أو الكلفة لكل زيارة، فهل الوكالات مضطرة إلى الاعتماد حصرًا على عدد من يجذب الإعلان اهتمامهم وولاءهم؟ هل على الوكالات الإبداعية أن تقدر أجورها بناءً على أنماط تشارك ناجحة؟ هل عليها أن تقارن حجم وعمق الحوار مع المستهلكين بعدد الإعلانات المطبوعة الموزعة؟ نشهد اليوم تغيرًا في النماذج التجارية من تقدير الأجور حسب عدد المهتمين إلى تقديرها بناءً على المشاريع. كما نشهد تغيرًا من أجور إجمالية على المشروع الإعلاني، إلى أجور حسب عدد المشاهدات على يوتيوب (المشاهدات الحقيقية، لا تلك التي يتم تحصيلها آليًا، ويمكن التمييز بين هذه وتلك). باختصار، ثمة تغير في سلوك الشركات الناشئة يتصف بالانفتاح على المتغيرات المستمرة.

ج) الأشخاص: لا يكفي توظيف أصحاب المواهب باستمرار لمواكبة متطلبات العصر الجديد. كما لا يكفي صرف الأشخاص من ذوي المهارات التي لا تتوافق مع أحدث الاتجاهات والمتغيرات التكنولوجية. على العاملين أن يتلقوا رعاية بحيث يصبحون مستعدين لمواكبة كل جديد. ولتحقيق ذلك، يحتاج هؤلاء الأشخاص إلى الموارد والقيادة التي يمكنها توجيههم نحو المستقبل.

د) المنتج: هذا العامل دائم التغير ودائم التطور، وهو يتبع دائمًا الاتجاهات وتحليل أنماط سلوك المستهلكين لتحديد المنتج الناجح والمنتج غير الناجح. لا مجال للتشكك هنا، فعلى الوكالات أن تسبح مع التيار لتترك الأثر الأكبر وتحصد أكبر الفوائد الممكنة للعلامات التجارية. حتى ضمن المنصة الواحدة، مثل يوتيوب، تستمر الاحتمالات في الازدياد مع تقديم التكنولوجيا لوسائل جديدة في إشراك المستهلكين. من كان يتصور أن فيديو مدته 5 ثوانٍ يمكن أن يصبح أداة تسويق قوية؟ وقبل أشهر قليلة فقط، لم تكن منصة سنابتشات أو منصة Vine تعتبران وسيلتي تسويق فعالة. يحمل المستقبل وعودًا مغرية بوجود «إنترنت الأشياء»وظهور الأجهزة القابلة للارتداء، وغيرها من الحلول المبتكرة. لتتابع سيرها في هذا العالم، تحتاج الوكالات إلى البصيرة وإلى أشخاص يمكنهم، ضمن هيكلية مرنة، استشراف الإمكانيات قبل غيرهم.

هـ) الزبائن: من المهم أن يوافق الزبائن على التوجه، فإذا لم تكن لديهم هذه الرؤية لتغير مستقبل الإعلان، فلا يمكن للوكالات أن تعد نفسها للمستقبل كليًا. فلا جدوى من إعادة النظر في الهيكلية والقدرة والمواهب إذا لم يقتنع الزبون بذلك. إن نجاح هذه الوكالات يستلزم تعلمًا مشتركًا، وبيانات مشتركة، وبعض الإرشاد، والكثير من النقاشات المقنعة كي يكون استشراف المستقبل ممكنًا.

باختصار، يمثل استشراف المستقبل أساس قدرة وكالة ما على التفوق على منافساتها. وعلى الوكالات أن تشق طريقها نحو المستقبل بشجاعة، وأن تبدأ بذلك في الحاضر. ولتحقيق ذلك، ستحتاج الوكالات إلى تعزيز مواردها نوعيًا، وزيادة مرونتها، كي تسبح من دون أن تغرق.