نهضة المركبات الكهربائية

رجوع
Nicholas El Bizri
فبراير 14 2017
تكنولوجيا
نهضة المركبات الكهربائية
شارك هذا المقال

في السنوات الأخيرة، أصبح تغير المناخ مصدر قلق في جميع أنحاء العالم، واتّخذت العديد من الصناعات الحذر. بالنسبة لصناعة المركبات، بدأت كلّ شركة كبرى العمل على مجموعة من المركبات الكهربائية. بالإضافة إلى الفوائد البيئية، يقدّم إنتاج هذه المركبات بساطة في التصنيع بالمقارنة مع المركبات التقليدية ذات محرّكات الاحتراق. وتشمل ميكانيكيا السيارات العادية المحرّك ونظام سحب الهواء وناقل الحركة ونظام الوقود ونظام العادم، على سبيل المثال لا الحصر. بينما في المقابل، لا تتطلّب المركبات الكهربائية سوى محرّك كهربائيّ وبطارية وبعض الأسلاك وأجهزة تحكّم.

يعود اختراع المركبات الكهربائية إلى عام 1800 ويسبق حتّى تطوير محرك الاحتراق الداخلي. ومع ذلك، شكّلت تكلفة تكنولوجيا البطاريات وتعقيدها عائقًا رئيسيًّا أمام الإنتاج الضخم للمركبات الكهربائية. بغضّ النظر، أدّت الزيادة في التوعية البيئية إلى استثمار شركات صناعة السيارات في أعمال البحث والتطوير المرتبطة بالبطاريات وعمليات التصنيع؛ ما أدّى إلى تحسينات تكنولوجية سريعة عامًا بعد عام.

قادة السوق

مع وجود أكثر من ثلاثين شركة عالمية لصناعة المركبات الكهربائية، تهيمن خمسة منها فقط من حيث المبيعات وحصة السوق: تسلا موتورز وجنرال موتورز وفورد موتور ورينو -نيسان وبي ام دبليو؛ علمًا أنّ السوق جاهز للمنافسة وسيجذب بلا شك المزيد من المنافسين إلى سوق المركبات الكهربائية.

EVSales

كانت تيسلا موتورز، الأصغر من بين خمسة شركات في صناعة السيارات، الشركة المبتكرة الرئيسية والرائدة في السوق منذ إنشائها، وتقدّم السيارات الكهربائية بشكلٍ حصريّ. وكانت مهمّتها قائمة على "تسريع ظهور النقل المستدام من خلال تسويق السيارات الكهربائية الشاملة والمنافسة في أقرب وقت ممكن." وكان جهدها الموحّد العامل الرئيسي للهيمنة على سوق المركبات الكهربائية. ويشيد اسم الشركة نفسها بنيكولا تسلا، المخترع والمهندس الصربي الذي ابتكر المحرك الحثيّ العامل على مصدر تيار متردّد والموجود في سيارات تيسلا. وقد سعت الشركة دائمًا إلى تمييز نفسها وسمحت لها رؤية ايلون موسك بالنجاح في تغيير الصورة "الهبية" النمطية للمركبات الكهربائية من خلال التمايز والابتكار. 

ما الذي يجعل سيارات تيسلا مختلفة إذًا؟ بفضل تقنياتها المبتكرة، تكون سيارات تيسلا قادرة على تحقيق أرقام أداء غير مسبوقة للسيارات الكهربائية. وتستطيع مركباتها ذات الأداء الأعلى، مثل P90D وP100D، الانتقال من صفر إلى 100 كم في حوالي 2.8 ثانية، وهو أمرٌ مذهل للسيارات الخارقة. بالإضافة إلى المحركات الكهربائية ذات الأداء العالي، توفّر تيسلا البطاريات المتقدّمة ومحطات الشحن. ويبلغ متوسط عدد الكيلومترات لنماذجها 450 كيلومتر على شحنة كاملة (تبعًا لظروف القيادة)، ويمكن أن تصل طاقتها في أقلّ من 75 دقيقة عند استخدام محطة "الشحن الزائد"، في حين لا تقترب المركبات المنافسة حتّى من هذا الرقم. ولكن ثمّة سعر ملحوظ مع كلّ هذه الإحصائيات المثيرة للإعجاب؛ إذ يمكن أن يبلغ سعر الطراز العاديّ من سيارات تيسلا 70 ألف دولار على الأقلّ. ولكن لا داعي للخوف، إذا كنت لا تزال تبحث عن الحلول الصديقة للبيئة من دون دفع مبالغ باهظة، تتوافر سيارات بديلة بأسعار معقولة أكثر. وتأتي أسعار المركبات الكهربائية الصغيرة مثل تشيفي فولت، فورد فيوجن PHEV، نيسان ليف وحتّى BMW i3 بمتوسّط 40 ألف دولار ولكنّها توفّر طاقة أقلّ وبطاريات أصغر وأوقات شحن أطول.

التكنولوجيا والابتكار

نظرًا إلى أنّ أداء المركبات الكهربائية يعتمد على قدرات البطارية والمحرك الكهربائي، تتمحور عمليات البحث والتطوير كثيرًا حول هذين العاملين.

تطوير البطارية

يعود سبب الأسعار الباهظة نسبيًّا للمركبات الكهربائية في المقام الأول إلى ارتفاع تكلفة البطارية. ومن أجل معالجة هذا الأمر، لا بدّ من تحقيق وفورات الحجم من خلال زيادة الحجم. وفي هذه الحالة، تتصدّر تيسلا المنافسة، وتبني حاليًّا مصنع تبلغ قيمته 5 مليار دولار مخصّص لتطوير البطاريات وتصنيعها. سيساعد هذا المصنع الضخم في تقليل تكاليف إنتاج البطاريات بنسبة 30٪، ما يساعد في عرض المركبات بأسعار معقولة أكثر. وبالنسبة لمصنّع لا يقدّم سوى السيارات الكهربائية، سينتج عن هذا المصنع عائد كبير على الاستثمار على المدى الطويل، بينما لن يكون مفيدًا للآخرين. وبالإضافة إلى خفض تكلفة البطارية، تركّز شركات صناعة السيارات أيضًا على تخفيض وزن البطارية وزيادة كفاءة الإنتاج وتقليل أوقات الشحن من أجل زيادة أداء السيارة والمسافة التي تقطعها وملاءمتها.

teslagigafactory

أداء المحرّك الكهربائيّ

واحدة من السمات الأكثر فائدة للمحركات الكهربائية هي القدرة على تحقيق مستوى عالٍ من عزم الدوران. وتختلف كثيرًا الطريقة التي يقوم بها المحرك الكهربائي بإنتاج الطاقة. في الواقع، يحتاج محرك الاحتراق الداخلي التقليدي إلى مزيج من الضغط والاحتراق والدوران (الدوران في الدقيقة) لممارسة القوة. في حين لا تتطلب المحركات الكهربائية سوى تيار كهربائي وقوة مغناطيسية. وعن طريق تشغيل التيار الكهربائي، تتحوّل الأسلاك الكهربائية إلى مغناطيس يمارس بدوره قوّة دفع على مغناطيس آخر يؤدي بالتالي إلى قوة. وكلما كان التيّار أقوى، ازدادت القوة/عزم الدوران. تثبت المحركات الكهربائية المبتكرة لتيسلا أنّه يمكن للسيارات الكهربائية منافسة المركبات العادية وحتّى التفوّق عليها. وقد جذب هذا الأمر اهتمام الكثيرين، ما حثّ الشركات المصنّعة لهذه السيارات على الابتكار باستمرار وتحسين كفاءة المحركات الكهربائية والإنتاج.

teslaemotors

المشاركة الحكومية

تقدّم المؤسسات الحكومية في جميع أنحاء العالم دعمًا هائلاً للإنتاج/الاعتماد الشامل للمركبات الكهربائية في محاولة للمساعدة في الحدّ من انبعاث الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري. وبالنظر إلى أنّه يمكن تخفيض انبعاثات الغازات بنسبة أكثر من 80 في المئة من خلال الاعتماد الشامل للمركبات الكهربائية، بدأت الحكومات كتابة سياسات عدّة لدعم الشركات المصنّعة والمستهلكين. ومن أجل محاولة توجيه كلّ منهما نحو استخدام المركبات الكهربائية، تفرض الحكومات الواعية بالأخطار البيئية زيادة على ضرائب "استهلاك الوقود" وكذلك أحكام أكثر صرامة على المركبات العادية لحماية البيئة. وكانت السياسة الأكثر دعمًا للسيارات الكهربائية، هي تقديم القروض المنخفضة الفائدة للشركات المصنّعة والمساعدات في تمويل محطات الشحن. وتقدّم وزارة الطاقة الأميركية، على سبيل المثال، القروض الخاصّة لصناعة المركبات ذات التقنية المتقدّمة (ATVM) للشركات المؤهلة التي تحتاج إلى مساعدة مالية في تصنيع السيارات الموفرة للطاقة. وقد استفاد كلّ من تيسلا ورينو-نيسان إلى حدٍّ كبير من هذا البرنامج، ما ساعدهما على زيادة الإنتاج والمبيعات بشكلٍ كبير. أما بالنسبة للمستهلك، تقوم الحكومات بفرض ضرائب مخفّضة على الواردات من المركبات الكهربائية، ما يجعل أسعارها معقولة أكثر. كما بدأت بلدان عدّة أيضًا بتقديم العائدات الضريبية والإعانات للمستهلكين الذين يقومون بشراء المركبات الكهربائية؛ الأمر الذي انعكس في زيادة طلب المستهلكين على هذه المركبات إلى حدّ كبير.

مع انضمام المزيد من الشركات هذا العام إلى نهضة المركبات الكهربائية سنة بعد أخرى، يشكّل الدعم الحكومي أمرًا بالغ الأهمية. ولم يكن مفاجئًا أنّ الداعم الأول لاعتماد المركبات الكهربائية كانت الولايات المتحدة الأمريكية. وفي الجهود المبذولة لتسريع وتيرة اعتماد المركبات الكهربائية، أعلنت الحكومة الأمريكية بناء شبكة وطنية من محطات الشحن التجارية السريعة في السنوات القادمة. وقد بدأت بلدان عدّة تعي الفوائد الكبيرة للمركبات الكهربائية على المجتمع والبيئة. كما بدأت دول عدّة في منطقة الشرق الأوسط اتّخاذ الإجراءات ودعم هذه المسألة، مع أنّ البنزين يُعتبر متوافرًا ومتاحًا بسهولة. على سبيل المثال، أظهرت دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية دعمهما من خلال تسريع تركيب محطات الشحن في جميع أنحاء البلاد مع وجود خطط لتركيب المئات منها في المستقبل القريب. وقد افتتحت دائرة النقل في أبو ظبي، مؤخرا موقف للسيارات قائم على التقنية الفائقة والذي يتضمّن مواقع لإعادة شحن السيارات الكهربائية والهجينة في محاولة لجعل قيادتها وشحنها أكثر ملاءمة. ولا يتوقّف اعتماد المركبات الكهربائية في دولة الإمارات العربية المتحدة، عند هذا الحدّ؛ إذ مع الإطلاق الرسمي لشركة تيسلا في دولة الإمارات العربية المتّحدة هذا الأسبوع، سيزداد الطلب على المركبات الكهربائية بشكلٍ كبير.

UAEcharging

الاستنتاج

مع الوقت، ستحتاج شركات صناعة السيارات للبدء بلا شكّ بإنتاج المركبات الكهربائية من أجل مواكبة اتّجاهات السوق وتجنّب البقاء على الحياد. وقد أدّت الزيادة في التغطية الإعلامية المتعلقة بالتغير المناخي إلى تحويل طلبات المستهلكين نحو الطاقة المتجدّدة مثل البطارية والطاقة الشمسية. ويبدو أنّ شركات صناعة السيارات تهتمّ بالاستثمار أكثر في أعمال البحث والتطوير المرتبطة بالمركبات الكهربائية. ومع أنّ هذه الأخيرة لا تنتج أيّ مخلفّات وأداؤها عالٍ وكفاءتها أفضل، إلا أنّ المخاوف لا تزال تلوح في أفقها.

التلوّث غير المباشر

مع أنّ المركبات الكهربائية لا تنتج أيّ انبعاثات، إلا أنّه يتمّ توليد الطاقة الكهربائية المستخدَمة لإعادة شحنها من محطات الطاقة العاملة على الفحم. ومع ازدياد عدد هذه المحطات، يمكنها خفض الانبعاثات إلى الصفر تقريبًا بسبب التلوث الناجم عن الفحم. يمكن اعتبار المركبات الكهربائية أنظف من مركبات الاحتراق الداخلي إذا كانت الطاقة المستخدمَة لشحنها نظفية أيضًا. على سبيل المثال، في بلدان مثل فرنسا، يتمّ الحصول على أكثر من نصف الطاقة من المحطات النووية التي تسمح للمركبات الكهربائية بالمساعدة في الحدّ من انبعاث الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري. بينما في الصين، يتمّ إنتاج 80٪ من الطاقة الكهربائية من الفحم الذي لا يجدي نفعًا للبيئة على الإطلاق.

تعطيل صناعة النفط

يشكّل اعتماد المركبات الكهربائية أيضًا خطرًا كبيرًا على صناعة النفط، ويمكن أن يكون السبب في انهيار سعر النفط تمامًا كما حصل في عام 2014. سيؤدّي الاعتماد السريع للسيارات الكهربائية إلى خفض الطلب على النفط بما يكفي ليتسبّب بهبوط الأسعار بشكل دائم تقريبًا. ويتوقّع المحلّلون أنّ الطلب على 2 مليون برميل تقريبًا من النفط سيتوقّف يوميًّا بحلول عام 2025 نظرًا لانتشار المركبات الكهربائية في قطاع النقل. وما يثير القلق هو أنّه لا تحتاج السيارات الكهربائية إلى الهيمنة على السوق لتسبّب أزمة مالية في صناعة النفط، بل مجرّد تحوّل 10% في حصة السوق قد يشلّها ومن المحتمل الوصول إلى هذه العتبة في غضون عشر سنوات فقط.