تطوّر صناعة السيارات

رجوع
Rita Makhoul
يناير 17 2017
تكنولوجيا
تطوّر صناعة السيارات
شارك هذا المقال

أحدث الارتفاع المتسارع للتقنيات الجديدة وتغيّر أذواق المستهلكين ثورةً في الصناعات؛ إذ تؤدّي التقنيات إلى تغيير الأشياء وتطوّرها بطرقٍ لا يمكن أن نتصوّرها، وهذا ما يتجسّد تمامًا في صناعة السيارات. 

جولة في الذاكرة

كانت السيارات في البداية تُعتبر مجرّد مرحلة لن تؤثّر على ركوب الخيل حتّى قام هنري فورد بتغيير هذه المقولة في العام 1908 عندما أطلق السيارات من طراز "تي" (Model T). وكانت السيارات مكلفة قبل عرض سيارة فورد من طراز تي، وتُعتبر من السلع الفاخرة التي تبلغ حوالي 9 آلاف دولار ولا تعطّل سوق المركبات التي تجرّها الخيول. ومن خلال أسلوب الإنتاج المبتكر الذي اتّبعه فورد، تمكّن من إنتاج سيارات بكميات كبيرة يبلغ سعرها 850 دولار في العام 1908 والذي انخفض في وقتٍ لاحق إلى 250 دولار في العام 1925، وهو ما حلّ مكان المركبات التي تجرّها الخيول بشكلٍ حتميّ. وقد أصبحت السيارة ذات الإنتاج الضخم المصنّعة على نماذج تجميع متحرّكة مع قطع قابلة للتغيير بشكلٍ كامل وبكميات ضخمة، نقطة الانطلاق التقنية للسيارة. ولم تصبح السيارات سلعة بمتناول أي شخص فحسب، بل وسيلة أيضًا للحصول على أفكار جديدة يمكن للمطورين العمل عليها وتطويرها. ولا عجب أنّه أطلِق على سيّارة فورد طراز تي السيارة الأكثر تأثيرًا في القرن العشرين في حفل توزيع جائزة سيارة القرن. 

العودة إلى المستقبل

منذ أن انخفض إنتاج سيارة فورد من طراز تي، كان لدى الناس هاجس مستمرّ بما ستكون عليه سيارات المستقبل. في خلال القرن الماضي، تمّ إنتاج تشكيلة مذهلة من التقنيات من مئات من المصنّعين في جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من التقدّم الذي أحدثته صناعة السيارات بوضوح على مرّ السنين، إلا أنّ الأمر يبدو كما لو أنّنا قد عدنا إلى نقطة الانطلاق. يقضي الركاب ساعات طويلة في الازدحام في المناطق الحضرية بحيث يمزح البعض أنّه لو استثمرت المدن في ممرّات خاصّة للأحصنة، لكان الركاب ربّما يصلون إلى وجهاتهم بشكلٍ أسرع. 

علاوة على ذلك، انتقدت الأزمة المالية العالمية في العام 2008 شركات صناعة السيارات في العالم؛ إذ انخفضت المبيعات بشكلٍ حادّ بين 30٪ و45٪ بالنسبة لمعظم الشركات المصنّعة. وأثّرت الأزمة المالية أيضًا على سلوك المستهلك وأذواقه التي تحوّلت نحو اقتصاد المشاركة. ونتيجة لذلك، نلاحظ أنّ صناعة السيارات اليوم هي على مسار تصادمي مع قوى التعطيل الرقمية؛ إذ انهارت العديد من الشركات القديمة عندما تجاهلت الرقمية بكونها تقنية تخريبية، مثل شركة "كوداك" (Kodak)، على الرغم من أنّ مهندس في الشركة اخترع الكاميرا الرقمية. 

"تستعدّ صناعة السيارات لمزيد من التغيير في السنوات الخمس إلى العشرة القادمة أكثر مما شهدتها في السنوات الخمسين الماضية." – ماي بارا، الرئيس التنفيذي ورئيس شركة جنرال موتورز. 

ترتبط كلّ الأخبار المتعلّقة بالسيارات في هذه الأيام بالتقنية المستقلّة والاتصال بالإنترنت. ونسمع باستمرار عن دخول عمالقة التقنية مثل أبل وجوجل، في صناعة السيارات. ويتغيّر مشهد صناعة السيارات بشكلٍ جذري ويتحضّر لتغيير هائل، وكانت بعض شركات صناعة السيارات تكافح لمواكبة هذا التغيير. وإذا لم تتمكّن من ذلك، ستكون مثل الرجل الذي لا يزال يركب في عربة تجرّها الخيول مصرًّا على أنّ السيارات هي مجرّد مرحلة عابرة. 

السيارات ذاتية القيادة: حلّ المستقبل

منذ كنّا أصغر سنًّا، كانت الأفلام والمسلسلات مثل نايت رايدر (Knight Rider)، هيربي (Herpie)، توتال ريكال (Total Recall)، أو القائمة اللامتناهية من أفلام وسلسلة الخيال العلميّ، تملأ خيالنا وتتركنا نسأل إذا كنّا سنشهد على رؤية السيارات ذاتية القيادة، مهما بدت هذه الفكرة بعيدة المنال.

اليوم، تحوّلت أحلام طفولتنا إلى حقيقة واقعة بشكلٍ مخيف. فقد أصبح للعديد من السيارات ميزات ذاتية القيادة لا تزال تشهد تقدّمًا، وذلك بفضل التحسّن في تطوير الذكاء الاصطناعي بشكلٍ ملحوظ وانخفاض تكلفة التقنية اللازمة لبناء سيارات بدون سائق.

مع ذلك، لا يزال ثمّة عدد ملحوظ من العقبات. في الواقع، تُعتبر القيادة على الطرق السريعة مثلاُ، أبسط كثيرًا للسيارات ذاتية القيادة، وبالتالي، قد لا يعود على الركاب القيادة في السنوات القليلة القادمة، على الطرق السريعة وربما في الضواحي. ولكن سيكون عليهم القيادة داخل المدينة لأنّها تضمّ عدد أكبر من العقبات غير المتوقّعة مثل راكبي الدراجات والمشاة وغيرهم. وحتّى لو كانت تقنية السيارات ذاتيّة القيادة جاهزة اليوم، لا تزال الحكومات غير مستعدّة لاستقبالها بعد. يجب وضع الأنظمة والسياسات وتقوم العديد من الدول بدراسة هذا الموضوع. وثمّة نقطة أخرى مثيرة للقلق اليوم، وهي أنّه إذا كانت السيارات ذاتيّة القيادة موجودة اليوم في العالم الحقيقيّ، وليس في عالم الخيال العلميّ، فهل سيكون الناس مرتاحين لهذه الفكرة وهل سيتمكّنون من الثقة بالسيارات ذاتيّة القيادة على الطرقات؟

يبدو أنّه من المستبعد جدًّا أن تصبح السيارات ذاتيّة القيادة متاحة على نطاق واسع قبل العام 2020. ومع ذلك، تؤدّي أنظمة مساعدة السائق المتقدّمة اليوم دورًا حاسمًا في إعداد المستهلكين والمنظّمين لما سيأتي في المستقبل.

مشاركة المركبات: مستقبل النقل

تتوقّع شركة "برايس ووترهاوس كوبرز" (PwC) أنّ قطاعات اقتصاد المشاركة الخمسة الرئيسيّة، مع كون قطاع النقل إحدى أكبرها، ستولّد عائدات عالميّة تبلغ قيمتها 335 مليار دولار بحلول العام 2025. وبما أنّ الكثير من الأشخاص يعيدون النظر في امتلاك سيّارات ويميلون إلى مشاركة المركبات، رأينا العديد من الشركات المصنّعة للسيارات تستثمر في شركات خدمة مشاركة المركبات أو تستحوذ عليها وتستحدث برامج لمشاركة المركبات. تُعتبر مشاركة المركبات مسألة حاسمة ومحقّة في المدن في جميع أنحاء العالم. ويبقى الاستماع إلى المطالب والاتّجاهات الحاليّة لا يقلّ أهمية عن توقّع تلك المستقبلية.

إنّ مشاركة المركبات لا يزيد من إمكانية الوصول فحسب، بل يوفّر حلاً لأولئك الذين لا يملكون عادة سيارة، ويثبت أيضًا أنّه الخيار الأفضل للذين يريدون عادةً شراء سيارة، لأنّ المشاركة أرخص من الامتلاك مع أخذ تكاليف الملكية بعين الاعتبار. وعلاوة على ذلك، تقلّل مشاركة المركبات من الازدحام وتزيد من مساحة المشاة، وتخفّض انبعاثات الكربون لكلّ أسرة.

الاتّصال بالإنترنت: نهوض السيّارات الذكية

ثمّة زيادة في عدد السيارات المتّصلة بالإنترنت على الطريق إذ يميل المستهلكون إلى اقتناء هذا النوع من السيارات بسرعة. وفقًا لقسم ذكاء الأعمال في شركة "بيزنيس إنسايدر" (Business Insider Intelligence)، سيكون ثمّة أكثر من 380 مليون سيارة متّصلة بالإنترنت على الطريق بحلول العام 2021. وقد أصبح الاتّصال بشبكة الإنترنت ميزة رئيسيّة في المنتجات مع إدراجها في كلّ شيء. وتشير تقديرات "غارتنر" (Gartner)، شركة الأبحاث التقنية العالمية، إلى أنّه بحلول العام 2020، سيكون ثمّة 50 مليار جهاز خاصّ بإنترنت الأشياء (IoT) مثبت في جميع أنحاء العالم، والكثير منها في سياراتنا.

وبالنظر إلى الوقت الذي يمضيه الناس وراء عجلة القيادة، ثمّة ضغط حقيقيّ ليصبح هذا الوقت منتجًا، أو ترفيهيًّا على الأقلّ وهو يحوّل السيارة إلى نسخة عن سائقها بشكلٍ مكثّف ومخصّص. ويتمّ صناعة بعض المركبات مع تقنية مساعدة السائق للمساعدة في عدم انحراف السيارات بعيدًا عن المسار، ومراقبة النقاط العمياء وغيرها. ويمكن لبعض السيارات تقديم المزيد من المساعدة الشخصية، ومراقبة إشاراتك الحيوية عن طريق الربط بسوار اللياقة البدنية أو غيرها من السلع القابلة للارتداء. وفي حال رصدت السيارة أنّك تقوم بالإيماء، يمكن أن تتفاعل تلقائيًّا وإذا رصد سوار اللياقة البدنية أنّك تُصاب بنوبة قلبية من خلال مراقبة معدل ضربات قلبك، يوجّه السيارة للتوقّف على جانب الطريق وإبلاغ مركز الطوارئ.