
كانت ميزات السلامة مثل التحكّم بالسرعة والمكابح المضادة للقفل والوسائد الهوائية وحتّى أحزمة الأمان تُعتبر من التقنيات الجديدة منذ وقتٍ ليس ببعيد. وأصبحت هذه الميزات اعتبارًا من اليوم، من المعايير الواجب توافرها في معظم السيارات. وكانت سلامة السائق ولوقتٍ أطول، تلقى الاهتمام الأكبر في صناعة السيارات، مع تطوير مستمرّ للعديد من الميزات التقنية المبتكرة للسلامة لضمان سلامة كلّ من السائق والآخرين على الطرق. وتستثمر شركات صناعة السيارات في تكنولوجيا السلامة بهدف تقليل حوادث الطرق. وتزعم وزارة النقل في الولايات المتّحدة أنّه يمكن تجنّب أكثر من 80٪ من حوادث السيارات السنوية باستخدام تكنولوجيا السلامة الحديثة، ما يجعل من هذه الاستثمارات في البحث والتطوير جديرة بالاهتمام. وقد سمحت الابتكارات التكنولوجية في مجال السلامة لشركات صناعة السيارات بأن تتجاوز "السلامة الكامنة" وتركّز أكثر على "السلامة النشطة" من خلال توفير ميزات متقدّمة لتكنولوجيا سلامة المركبات.
وكما هو الحال مع معظم التطورات المتعلّقة بالتكنولوجيا، فإنّ شركات صناعة السيارات تتنافس باستمرار على تطوير تقنيات السلامة من الجيل التالي. دعونا نلقي نظرة على تكنولوجيا السلامة اليوم وما تقوم شركات صناعة السيارات بتطويره للمستقبل:
تكنولوجيا اليوم
نظام مراقبة النقطة العمياء
قد يكون نظام مراقبة النقطة العمياء إحدى تقنيات المساعدة في مجال السلامة الأكثر دقّة والأقلّ تشتيتًا للانتباه. باستخدام الرادارات وأجهزة الاستشعار في الأرباع الخلفية للسيارة، يتمّ تنبيه السائق من أيّ مركبات قادمة في النقاط العمياء عبر إصدار ضوء وامض في المرايا الجانبية. ويتمّ عادةً تنشيط ميزة الكشف عن النقاط العمياء بمجرّد تشغيل السيارة. ولكن أصبحت هذه الميزة نشطة في جميع الأوقات في السيارات اليوم للمزيد من السلامة. وبطبيعة الحال، يمكن للثلوج والأوساخ وسوء الأحوال الجوية أن تعرقل مثل هذه التكنولوجيا، في حين أنّها توفّر للسائقين السلامة العامّة عندما تكون من دون عوائق.
نظام المحافظة على المسار
يُعتبر نظام المحافظة على المسار مشابهًا لنظام مراقبة النقطة العمياء ولكن مع نطاق أكبر. فهو قادرٌ على تحليل سرعة السيارة التي تقترب ومسافتها وتحذير السائق من خطر محتمل عند تغيير المسار. كما أنّه يحذّره إذا حدّد أنّ السيارة تسير خارج المسار، سواء بسبب تشتّت الانتباه أو النعاس. وتصدر تنبيهات التحذير عادةً من خلال الرنين أو الاهتزاز في عجلة القيادة أو المقعد. ومع التقدّم في تكنولوجيا القيادة الآلية، تطوّر نظام المحافظة على المسار عن طريق تشغيل المكابح أو توجيه السيارة داخل المسار بنشاط. أمّا المسألة الوحيدة التي تعاني منها هذه التكنولوجيا، فهي أنّ كاميرا السيارة تتطلّب علامات ثابتة وواضحة على المسارات، ما يجعل أداءها متقطّعًا خلال الطقس العاصف أو الطرق غير واضحة المعالم.
المصابيح الأمامية التكيفية
تكون تكنولوجيا المصباح التكيفية قادرة على توجيه الضوء أثناء القيادة حول الزوايا أو صعودًا نحو التلال. وتتألّف أنظمة المصابيح هذه من مكونات فرعية عدّة تتمّ مراقبتها والتحكّم بها من وحدة التحكّم في المحرك بالمركبة. وتشمل هذه المكونات الفرعية ما يلي:
-
أجهزة استشعار سرعة العجلة التي تراقب السرعة التي تدور بها كلّ عجلة
-
جهاز استشعار الانعراج الذي يتعقّب حركة السيارة من جنبٍ إلى جنب
-
جهاز استشعار زاوية التوجيه الذي يراقب زاوية المقود
-
المحركات المرفقة بكلّ مصباح.
يتمّ تفسير البيانات من أجهزة الاستشعار من وحدة التحكّم في المحرك الذي يضبط المصابيح الأمامية وفقًا لسرعة السيارة وزاوية الطريق والمنحنى. وتشمل المصابيح الأمامية التكيفية أيضًا نظام التسوية الذاتية الذي يساعد على منع المصابيح الأمامية من الإنارة بعيدًا جدًّا أو إلى الأسفل كثيرًا عند القيادة صعودًا أو نزولاً. وتبقي المصابيح الأمامية التكيفية أضواءها القوية تلقائيًّا بعيدًا عن عيون السائقين القادمين مع إنارة الطريق أيضًا بشكلٍ فعّال.
نظام تجنّب الاصطدام
يكون جميع السائقين عرضةً لنوع من الإلهاء عند القيادة. ولذلك، قامت شركات صناعة السيارات بتطوير أنظمة تجنّب الاصطدام. ويعتمد النظام على العديد من التقنيات مثل ليدار (LiDAR - تحديد المدى عن طريق الضوء أو الليزر) وأجهزة الاستشعار والكاميرات للكشف في حال ثمّة اصطدام وشيك. وبمجرّد أن يكتشف هذا النظام الثلاثي المتكامل أيّ اصطدام محتمل، يصدر تحذيرًا للسائق أو يقوم بردّ فعل ذاتيّ عن طريق تشغيل المكابح والتوجيه وتخفيف السرعة أو مجموعات مختلفة منها. ويتمّ تمكين وظيفة الكبح التلقائي عند السرعات المنخفضة للمركبة (أقلّ من 50 كم/ساعة)، في حين يتمّ تمكين وظيفة تفادي الاصطدام بواسطة التوجيه التلقائيّ عند السرعات الأعلى للمركبة.
الرؤية الليلية
يمكن تنفيذ الرؤية الليلية في المركبات في أشكال مختلفة، سواء من خلال المصابيح الأمامية تحت الحمراء أو كاميرات التصوير الحراري. ولكن، بغضّ النظر عن التكنولوجيا، الهدف هو نفسه: مساعدتك في الرؤية وتحديد المشاة أو الحيوانات أو العوائق على الطرقات على بعد 1.000 قدم تقريبًا في الظلام الدامس. وتعمل هذه الميزة عبر التقاط مستمرّ للصور وإنتاجها من خلال كاميرات الأشعة تحت الحمراء التي توضع عادة خلف الزجاج الأمامي، وتنقل المعلومات على شاشة عرض المعلومات والترفيه في السيارة. وتكون تقنية الرؤية الليلية قادرة على تسليط الضوء على الناس والحيوانات والعوائق ليتمكّن السائق من رؤية ما على الطريق أمامه بوضوح. أمّا الجانب السلبي الوحيد لتقنية الرؤية الليلية، فهو أنّها لا تزال مكلفة بشكلٍ باهظ، ومتاحة في الغالب في السيارات الفاخرة كميزة معياريّة.
تكنولوجيا المستقبل
الاتصال بين مركبة وأخرى
يكون منع الاصطدام سهلاً عندما يكون السائق وراء عجلة القيادة. ولكن مع مستقبل القيادة الذاتية، تصبح تكنولوجيا الاتصال بين مركبة وأخرى مهمّة للغاية لمساعدتها في تجنّب الاصطدام. وتساعد تكنولوجيا أجهزة الاستشعار والرادار اليوم، السائقين في تجنّب الاصطدام، ولكن مع السيارات ذاتية القيادة، سيكون الاتصال المستمرّ مع المركبات الأخرى ضروريًّا من أجل القيادة بأمان. ولتحقيق ذلك، تشارك المركبات باستمرار إحداثيات نظام تحديد الموقع وسرعتها للتسهيل والاعتماد أيضًا على تقنية الاستشعار في المستقبل. وتقوم تكنولوجيا الاتصال بين مركبة وأخرى أيضًا بإنشاء نظام لإدارة حركة المرور على شبكة الإنترنت، يساعد السيارات في التنسيق مع إشارات المرور مباشرة، وبالتالي، يحدّ من الحوادث التي تقع عند التقاطعات.
الوسائد الهوائية للكبح
الوسائد الهوائية هي أكبر ميزة للسلامة في السيارة ويقوم صناع السيارات بإضافة المزيد منها في سياراتنا. فقد أصبح لدينا اليوم الوسائد الهوائية الأمامية والوسائد الهوائية الجانبية والوسائد الهوائية على مستوى الركبة وحتّى الوسائد الهوائية لأحزمة الأمان. ومع ذلك، أرادت شركة مرسيدس بنز أن تطوّر هذه التكنولوجيا أكثر من ذلك. وعلى وجه التحديد، كانت الشركة تقوم بتجربة وسائد هوائية تنتشر تحت السيارة وقادرة على إيقافها في ثوان قبل وقوع الحادث. وتعتمد هذه التكنولوجيا أيضًا على أجهزة استشعار المركبات المشابهة لأنظمة الوقاية من الحوادث، والتي تحدّد متى يكون الاصطدام وشيكًا. ويكون "للوسادة الهوائية للكبح" الخاصّة بمرسيدس بنز طلاء الاحتكاك الذي يساعد على إبطاء سرعة السيارة ومضاعفة قوة التوقّف. وتقوم هذه الوسائد الهوائية أيضًا برفع السيارة ثمانية سنتيمترات عن الطريق، ما يحسّن التلامس بين المصدات.
تكنولوجيا تجاوز السائق
مع نهضة المركبات ذاتية القيادة في مجال السيارات، يعمل المهندسون على التكنولوجيا التي من شأنها أن تعطي السيارات صلاحية التجاوز للتحكّم بالسيارة. وتضمّ السيارات اليوم أنظمة منع الاصطدام والتي تشغّل الفرامل تلقائيًّا عندما لا يقوم السائق بذلك. ولكن في مستقبل القيادة الذاتية، ستعطي التكنولوجيا الأكثر تقدّمًا للسيارات، القدرة على تجاهل السائقين وأوامرهم عمدًا واتّخاذ قراراتها الخاصّة. وبحلول عام 2020، عندما ستكون معظم السيارات على الطرق مجهّزة بالتكنولوجيا المستقلّة، ستسمح تكنولوجيا تجاوز السائق للمركبات بتشغيل الفرامل أو تقليل سرعة السيارة حتّى لو كان السائق يدوس على دواسة البنزين.
مراقبة صحّة السائق
تُعتبر تكنولوجيا مراقبة صحّة السائق شائعة في معظم سباقات السيارات الرياضيّة، حيث تقوم أجهزة الاستشعار بمتابعة الأعضاء الحيوية للسائق لضمان سلامته. وقامت شركة فورد للسيارات بتجربة هذا المفهوم لسياراتها التجارية مع تجهيز حزام الأمان وعجلة القيادة بأجهزة الاستشعار التي تتعقّب الإحصاءات الحيوية للسائق. ولا تقتصر التكنولوجيا على تنبيه سائق السيارة والركاب فحسب إذا ما تعرّضت صحّة السائق للخطر بسبب حالات مثل النوبة القلبية أو حالات الطوارئ الأخرى، بل تكون السيّارة مبرمجة أيضًا للتوقّف على جانب الطريق والإطفاء وطلب المسعفين إذا كانت الحالة الصحية خطيرة. وقد يكون لهذا النوع من تكنولوجيا السلامة القدرة على إنقاذ عددٍ لا يُحصى من الأرواح.
تتمتّع السيارات اليوم بتكنولوجيا متقدّمة وهي آمنة ودائمة أكثر من أيّ وقتٍ مضى في تاريخ السيارات. وكما هو الحال في أيّ صناعة تطلعيّة، يبحث قطاع السيارات باستمرار عن طرقٍ لحشد المزيد من الابتكار التكنولوجي في سياراتنا، وهذا ينطبق بشكلٍ خاصّ على تكنولوجيا السلامة. وأصبحت التطورات الحاليّة في تكنولوجيا سلامة السيارات أكثر تقدّمًا من أيّ وقتٍ مضى. ولكن، مع زيادة عدد صناع السيارات الذين يدخلون سباق القيادة الذاتية، أصبحت تكنولوجيا السلامة أكثر أهميّة. وبدون تدخّل السائق، تحتاج المركبات إلى أن تكون أكثر ذكاءً ومجهّزة جيّدًا وبما يكفي للاستجابة للحالات التي تهدّد الحياة على الطرق. ومع ذلك وبالنظر إلى الابتكارات في تكنولوجيا السلامة اليوم، يبدو أنّ المستقبل مشرق ... وآمن!