
نشرت شركة الخدمات المهنية Deloitte مؤخرًا تقريرًا يقيِّم أداء التلفزيون في العصر الرقمي، ويركز خصوصًا على ظهور خدمات عرض الفيديو حسب الطلب مقابل اشتراك شهري، ومحتوى الرياضة على الإنترنت، ومحتوى الفيديو القصير على الإنترنت، والابتكار السريع الذي سببته هيمنة الإنترنت.
يستنتج التقرير أن «التلفزيون لا يزال معافى». رغم التقدم الواضح، ما تزال خدمات الفيديو حسب الطلب تمثل 2 في المئة فقط من سوق التلفزيون المدفوع في أوروبا. ولا يزال التلفزيون أيضًا الوجهة الأساسية للمحتوى الرياضي المميز، حيث يُتوقَّع أن تزيد قيمة حقوق البث هذا العام. ولا يزال الفيديو التلفزيوني الطويل مسيطرًا على ساعات المشاهدة والإعلان، حيث تجني إعلانات الفيديو الطويل أكثر بأربعين ضعفًا مما تجنيه مقتطفات الفيديو. ونال التلفزيون حصة كبيرة من الابتكار التكنولوجي، وحصة أكبر من وظيفته الأساسية، ألا وهي رواية القصص.
ماذا عن الشرق الأوسط؟
يشهد الشرق الأوسط حالة شبيهة، ولكن مع بعض الاختلافات. فخدمات الفيديو حسب الطلب مقابل اشتراك شهري، على سبيل المثال، تحتل قيمة هامشية هي أقل من 1 في المئة من السوق العالمية، إلا أن نمو هذه الخدمات في المنطقة «أسرع بكثير» لدى مقارنته بغيرها من المناطق.
ومن المتوقع أن يتجاوز المحتوى الرياضي المدفوع نظيره العالمي من حيث النمو للعام الثاني على التوالي. ويحوز موقع يوتيوب على رواج كبير، إلا أن الفيديو الطويل ما يزال النوع المفضل حسب التقرير. أخيرًا، يشير التقرير إلى أن نسبة انتشار الهواتف الذكية المرتفعة، ومستوى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي العالي، إلى جانب المميزات الفريدة للفئات السكانية في المنطقة، هي العوامل التي توجه الابتكار في هذا المجال.
ونلقي فيما يلي نظرة مفصلة على كل من القطاعات الأربعة. ونبدأ بخدمات الفيديو حسب الطلب مقابل اشتراك...
1. من توقَّع تراجع برامج التلفزيون مخطئ
وينطبق هذا على الشرق الأوسط أكثر مما ينطبق على المناطق الأخرى، فنسبة الفيديو حسب الطلب مقابل اشتراك في هذه المنطقة ضئيلة جدًا. يشكل عام 2015 الذكرى الحادية والثلاثين لأول خدمة تجريبية للفيديو حسب الطلب في أوروبا، ورغم ذلك ما زالت حصة هذه الخدمة من السوق منخفضة جدًا، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط حيث تتراجع نسبة خدمات الاشتراكات بشكل كبير عن الأسواق الغربية.
السبب في ذلك أن ما تقدمه خدمات الفيديو حسب الطلب في المنطقة محدود، من حيث الحجم وجودة مكتبة المحتوى الذي يقدمه مُزوِّدو الخدمة المحليون. بالإضافة إلى ذلك، ثمة صعوبات أمام المحتوى البديل. فنسبة انتشار القنوات التلفزيونية مجانية البث في المنطقة يصل إلى 95 في المئة. علاوة على ذلك، تمثل نسبة انتشار يوتيوب العالية -وتبلغ 70 في المئة- تحديًا أكبر لمزوِّدي خدمات الفيديو حسب الطلب من التحدي الذي تمثله القنوات التلفزيونية المجانية.
بالنظر إلى الأمام...
كما ذكرنا سابقًا، تنمو خدمات الفيديو حسب الطلب مقابل اشتراك بسرعة، وثمة عدد من المؤشرات المُشجِّعة أيضًا. تبلغ نسبة المنازل التي تمتلك اتصالًا سريعًا بالإنترنت في الشرق الأوسط حوالى 25 في المئة، ولدى 10 في المئة اشتراك في خدمة تلفزيونية مدفوعة، 18 في المئة منها ذات اشتراك بخدمة تلفزيون بروتوكول الإنترنت IPTV. وقد شهدت هذه المؤشِّرات نموًا بنسب كبيرة خلال السنوات العشر الماضية. لذلك، ستشهد خدمات الفيديو حسب الطلب مقابل اشتراك في المنطقة المزيد من النمو. وتعزز التطورات في البنية التحتية في المنطقة هذا الاتجاه. ويلحظ التقرير أيضًا أن التطورات مُركَّزة بشكل رئيسي في منطقة الخليج.
على جانب المستهلكين، ثمة طلب كبير على خدمات الفيديو حسب الطلب مقابل اشتراك، ويدل على ذلك نسبة انتشار كبير للفيديو على الإنترنت، إذ تصل إلى 50 في المئة في الأسواق الأساسية في دول الخليج وبلاد الشام، واستطلاعات رأي المستهلكين التي تشير إلى استعدادهم لدفع اشتراكات مقابل خدمة عالية الجودة ومتميزة المحتوى.
لا داعي للقلق من إلغاء الاشتراكات
يخشى مزوِّدو خدمات البث التلفزيوني التقليدي من أن من يشتركون بخدمات الفيديو حسب الطلب سيقومون بإلغاء اشتراكاتهم بخدمات التلفزيون المدفوعة التقليدية.
ولكن، بناءً على مراقبة سلوك المستهلكين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، يتوقع تقرير Deloitte أن معظم المستهلكين سيضيفون خدمات الفيديو حسب الطلب إلى خدمات المحتوى التلفزيوني المدفوع، وسينظرون إلى خدمة الفيديو حسب الطلب كخدمة إضافية. ويذكر التقرير أن «ثمة ميلًا لدى الإنسان إلى حيازة ما يتوفر له بدل أن يضطر إلى الاختيار بين بدائل».
2. حقوق بث المناسبات الرياضية تظهر نموًا كبيرًا للعام التالي
بلغت كلفة حقوق بث المناسبات الرياضية 28 مليار دولار عام 2015، أي بما يزيد على عام 2014 بنسبة 12 في المئة. في الشرق الأوسط، تُقدِّر Deloitte أن قيمة حقوق بث المناسبات الرياضية المحلية ستستمر في الارتفاع بنسبة 20 في المئة على الأقل، أي بما يزيد على النسبة العالمية وهي 12 في المئة.
في الواقع، يظهر التقرير أن الزيادة في اشتراكات التلفزيون المدفوعة تنبع من الاهتمام بالمحتوى الرياضي. على سبيل المثال، في الدول التي تمتلك أكبر ثلاثة دوريات كرة قدم محلية -أي مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة- تبلغ نسبة الاشتراكات في القنوات الرياضية 68 في المئة، بعدها 55 في المئة للأفلام و29 في المئة للبرامج التلفزيونية.
3. الفيديو الطويل هو أساس التلفزيون التقليدي، ويجب أن يبقى الحال على ما هو عليه
على عكس الإنترنت، يتسم التلفزيون التقليدي بأنه يعتمد على الفيديو الطويل، حيث تبلغ مدة الحلقة التلفزيونية ما بين 30 دقيقة وساعة واحدة. مقاطع الفيديو القصيرة على الإنترنت، بمدة 10 دقائق أو أقل. وقد بدأنا نرى الحلقات القصيرة تتسلل إلى التلفزيون، لا سيما في البرامج المخصصة للأطفال الصغار. والهدف من ذلك استيعاب عادات مشاهدة الجيل الأصغر، الذي يتسم بتركيز أقل والقيام بمهام متعددة في وقت واحد.
أهمية الفيديو الطويل أوضح في الشرق الأوسط
عام 2013، جمعت أهم المسلسلات الدرامية على MBC أكثر من 600 مليون مشاهد، وتراوح عدد المشاهدين للمسلسل الواحد بين 48 مليون و123 مليون. أما في حالات الفيديو القصير، فإن أنجح الحالات لم تتجاوز عشرات ملايين المشاهدين في أفضل الحالات. وهذا يعني أن الفيديو الطويل يجتذب 10 إلى 100 ضعف من المشاهدين.
ويتضح هذا الاختلاف أيضًا على الإنترنت. إذ يبلغ معدل ما يقضيه المستخدمون من الوقت 2.17 ساعة في اليوم. أما معدل الوقت على التلفزيون فهو 3.11 ساعة. إذًا، بالمعدل، يمضي المشاهدون ما يقارب ما يزيد بقرابة ساعة على ما يقضونه يوميًا بمشاهدة الفيديو القصير.
كذلك، يتعامل المستهلكون مع الفيديو القصير بوصفه نوعًا مختلفًا. فالاحتمال الأكبر أن يصلوا إليه في أوقات وأماكن مختلفة، وعبر أجهزة مختلفة أيضًا. ففي المملكة العربية السعودية مثلًا، تبلغ نسبة استخدام اليوتيوب من أجهزة الموبايل 50 في المئة، وفي الإمارات العربية المتحدة، تبلغ النسبة 40 في المئة.
ويبدو أن الفيديو القصير أكثر جاذبية للشباب، فنصف مستخدمي اليوتيوب يوميًا لا يتجاوز سنهم 35 عامًا، و35 في المئة يبلغ سنهم بين 35 و44 عامًا، و15 في المئة يبلغ سنهم 45 عامًا أو أكثر.
نجاح الفيديو القصير
ثمة سببان لرواج الفيديو القصير في الشرق الأوسط. الأول، هو أنه يُنظَر إليه عمومًا على أنه «أكثر حقيقية وأكثر جدارة بالثقة ولا يخضع للرقابة». والسبب الثاني أنه أكثر تفاعليةً. وفي استطلاع رأي أُجري في الإمارات العربية المتحدة، قال 75 في المئة أنهم يستخدمون اليوتيوب لا لمشاهدة الفيديو فقط، بل للتواصل مع الأصدقاء والمستخدمين الآخرين أيضًا. وفي المملكة العربية السعودية، قال 35 في المئة أنهم حمّلوا محتوى فيديو قصير خاصًا بهم.
4. هل يمكن للتلفزيون أن يبتكر؟
حقق قطاع التلفزيون في الشرق الأوسط تقدمًا في استخدام التكنولوجيا الرقمية لتطوير المحتوى ونسب المشاهدة، إما بتقليد الابتكارات العالمية أو باستخدام التكنولوجية الخلاقة المحلية.
أجهزة التلفزيون ذات الدقة 4K وأجهزة التلفزيون الذكية تلقى رواجًا كبيرًا في المنطقة. وقد أتاح الانتشار السريع للهواتف الذكية الفرص للابتكار للشاشة الأصغر. 70 في المئة من مشاهدي خدمة شاهد.نت من قناة MBC يستخدمون الموقع من خلال هواتفهم الذكية. وتلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا أيضًا، فقد زادت التغريدات للحلقة المتميزة بنسبة 8.5 في المئة، وزيادة بنسبة 4.2 في المئة للحلقة في منتصف الموسم، ويشير ذلك إلى ارتفاع بنسبة 1 في المئة في المشاهدة.
وقد أدت نسب انتشار الهواتف الذكية العالية، ورواج وسائل التواصل الاجتماعي، إلى ظهور التلفزيون الاجتماعي، وهو اتجاه جديد في المنطقة يجمع بين اتجاهات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، واتجاهات المشاهدة، كخدمة The Stream من قناة الجزيرة و Peeta Planet.
الإعلان
خلال السنوات الخمس الماضية، بقيت نسبة الإنفاق على الإعلان في التلفزيون -من مجمل الإنفاق على الإعلان في كافة المنصات الإعلامية- على حالها، وهي قرابة 40 في المئة. وحتى في ضوء النمو الكبير للمنصات الرقمية، سيبلغ حجم الإنفاق على الإعلان في التلفزيون أربعة أضعاف حجم الإنفاق على الإعلان الرقمي خلال عام 2015، إذ من المتوقع أن تبلغ نسبتهما 40 في المئة و10 في المئة على الترتيب. في الشرق الأوسط، يُتوقَّع أن تتجاوز عائدات الإعلان في التلفزيون 2.6 مليار دولار بحلول عام 2019.