
أصدرت "اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا" (الإسكوا) الشهر الماضي دراسة حددت فيها مجالات تطوير المحتوى الرقمي العربي، واقترحت نماذج الأعمال المناسبة لكل مجال. وقد حللت الدراسة الاتجاهات العالمية في مجال التكنولوجيا والأعمال بدقة، فضلًا عن تسليط الضوء على العديد من قصص النجاح الإقليمية والعالمية.
وتتمتع صناعة المحتوى الرقمي العربي بفرص وإمكانات هائلة للنمو الاقتصادي مستقبلًا. وأوضحت دراسة أجراها منتدى الإعلام العربي 2011 أن نسبة كبيرة من السكان العرب، وخاصة النساء، تفضل المحتوى العربي على الإنترنت. ولا يقتصر تطوير المحتوى الرقمي العربي على زيادة عدد المواقع وتطبيقات الموبيل فقط، ولكن يمتد كذلك لاشتراك منتجي الصناعات التقليدية – مثل الكُتاب؛ وصناع الأفلام؛ والناشرين؛ ومطوري الألعاب؛ والهيئات الحكومية – مع الشباب المولع بالتكنولوجيا من أجل تحقيق قفزة نوعية في رقمنة المحتوى الرقمي العربي.
عناصر استدامة المحتوى الرقمي العربي
حددت الدراسة أربعة عناصر حاسمة لصناعة محتوى رقمي عربي مستدام، وهي الملائمة، والجودة، وسهولة الوصول للمحتوى، والتمويل. والملائمة هي ملاقاة المحتوى لاستحسان الجمهور المستهدف، وهي مرتبطة مباشرة بمعرفة سلوك المستهلك، وحرفية استعراض المواضيع. وأما الجودة فتنعكس من تجربة المستخدم وارتياحه، فكلما ارتفع مستوى المعايير، والقدرات التقنية، وجاذبية التصميم؛ وحظيت الواجهة بالقبول، والموضوعات بالمصداقية؛ وتعددت الخصائص؛ وسرعت التحديثات كلما ارتفعت جودة المحتوى. وبغض النظر عن مدى ملاءمة المنتوج لرغبات المستهلك، فإذا لم يحافظ على مستوى معين من الجودة، فلن يحالفه النجاح.
ولتسهيل ظاهرية المحتوى وطرق الوصول إليه، اقترحت الدراسة دعمه بحملات تسويقية مستمرة ومتعددة المنصات. وأخيرًا، فإن التمويل هو أحد أهم العناصر لتحقيق الاستدامة المنشودة. وأشارت الدراسة إلى أن التمويل القوي والخطة المالية الناجحة من العناصر الأساسية لضمان النجاح، إلا أن نجاح أي نموذج أعمال يرتبط مباشرة بكفاءة القائمين عليه.
ووفقًا للدراسة، فإن نظام التعليم في العالم العربي لا يزال بحاجة إلى تطوير كلي قبل إنتاج معرفة إنسانية تتوافق مع المعايير العالمية. ويشمل ذلك الرغبة في الابتكار؛ وحب الاستطلاع العلمي؛ والتفكير المنظم؛ وجودة الخدمة؛ وتشجيع ريادة الأعمال؛ واحترام المواعيد النهائية، من بين محفزات عدة يجب أن يتلقاها الطلاب قبل الشروع في تطبيق هذه المعرفة، وتحويلها لمشروع رقمي.
ثلاثة نماذج أعمال للمحتوى الرقمي العربي
أدرجت الدراسة العديد من نماذج الأعمال التي تناسب عصر الإنترنت، إلا أنها أوصت بثلاثة نماذج رئيسية لتطوير المحتوى الرقمي العربي، وهي الإعلان؛ والتاجر (التجارة الإلكترونية)؛ والاشتراك. واقترحت الدراسة إمكانية دمج أكثر من نموذج بغرض توليد دخل إضافي، اعتمادًا على طبيعة المشروع.
خمسة مجالات لتطوير المحتوى الرقمي العربي
أوصت الدراسة بخمسة مجالات لتطوير المحتوى الرقمي العربي، وهي التعليم والتعلم؛ وصناعة ومراكمة المحتوى؛ والترفيه والألعاب؛ وشبكات الإعلام الاجتماعي.
التعليم والتعلم
اعتبرت الدراسة أن التعليم والتعلم هو أحد أبرز المجالات الحيوية القابلة للتطوير وأكثرها ربحًا، إذ استحثت المطورين العرب أن يولوا أهمية خاصة له. ومن المتوقع أن ينمو سوق التعليم الإلكتروني من 90 مليار دولار إلى 255 مليار دولار بحلول عام 2017، في حين أن الجمهور العربي المستهدف يزيد عن 86 مليون شخص. وأوضحت الدراسة أن التحدي الأساسي في هذا المجال هو القدرة على صناعة محتوى ملائم وفعّال ومستدام. وثمة بعض المواد المهمة في هذا الصدد، مثل اللغة العربية الفصحى، والأدب، والتاريخ، والإدارة، والكمپيتور، وفنون الطهي. واقترحت الدراسة نموذجي "التاجر" و"الاشتراك" لهذا المجال، نظرًا لاعتياد المستهلكين على الدفع لتلقي التعليم.
صناعة ومراكمة المحتوى
ذكرت الدراسة أن "مجموعة الاتصالات السعودية" في المملكة، و"اتصالات" و"دو" في الإمارات العربية المتحدة هي أكبر شركات صناعة ومراكمة المحتوى في العالم العربي، مشيرةً إلى أن ميزانيات هذه الشركات هي أعلى بكثير من حجم استثمارات رأس المال المخاطر وصناديق التمويل. ومع ذلك، ومن أجل تحديد كيفية تطوير المحتوى الرقمي العربي في هذا المجال، نوهت الدراسة إلى ضرورية توافر بعض المزايا على منصات المحتوى الرقمي، مثل الطقس المحلي، والأخبار الإقليمية، والڤيديو، والموسيقى، والمحتوى التجاري، على أن تكون متوافقة مع شبكات الإعلام الاجتماعي. وأفضل نموذج أعمال لصناعة ومراكمة المحتوى هو الاشتراك، ليس فقط لأن المستخدمين مستعدون للدفع مقابل الحصول على محتوى ملائم، ولكن أيضًا لأن فرص الخروج عالية في هذا المجال.
خدمات المعلومات
القطاعات الرئيسية الجديرة بالتطوير في مجال خدمات المعلومات هي الرعاية الصحية؛ والرياضية واللياقة البدنية؛ ومجتمع تبادل الخدمات؛ والعقارات؛ والمواعدات؛ وتزويد الطعام وتنظيم الفعاليات؛ والخدمات المالية؛ والسيارات وإكسسواراتها؛ وتفسير ومحاكاة الخدمات الحكومية والعامة، على أن تكون متوافقة مع شبكات الإعلام الاجتماعي.
ويعتمد نموذج الأعمال في هذا المجال على نوعية المحتوى نفسه. فمثلًا، للحصول على محتوى ذات قيمة مضافة عالية في مجال الرعاية الطبية وتنظيم الحفلات، ينصح بنموذج التاجر أو الاشتراك. ولأي نوع آخر من الخدمات العامة، فإن أفضل نماذج تحقيق الربح هي من خلال الإعلان، بشرط أن تكون المعلومات متسقة وملائمة لتنشيط حركة المرور وتحفيز ولاء العملاء.
الترفيه والألعاب
يعد هذا هو المجال الأمثل لتنزيلات تطبيقات الموبيل، نظرًا لتحقيقه المبيعات المباشرة، وجلبه حركة مرور عالية وإعلانات. ووفقًا للدراسة، فإن ثمة نقصًا كبيرًا في تصدير المنطقة العربية لأفكار ألعاب جديدة ذات تأثير عالمي. ومن بين القطاعات القابلة للتطوير في مجال الترفيه والألعاب هي السياحة؛ وألعاب الموبيل والألعاب الاجتماعية؛ وتطبيقات نمط الحياة؛ والكتب الإلكترونية والتعليم الترفيهي؛ والإنتاج الموسيقي والمرئي، على أن تكون متوافقة مع شبكات الإعلام الاجتماعي.
ونصّت الدراسة على أن ألعاب الموبيل سوف تتجاوز الألعاب الاجتماعية، فضلًا عن أن المشتريات داخل اللعبة قد تجاوزت بالفعل مشتريات التطبيقات ذاتها. ونموذج الأعمال المجاني-المدفوع (Freemium ) هو الأكثر اعتمادًا من قِبل شركات الألعاب، نظرًا لدمجه العديد من نماذج الأعمال المألوفة وروافد الدخل المتعددة، مثل التنزيلات مدفوعة الأجر، والمشتريات داخل اللعبة، والإعلانات، إلخ..
شبكات الإعلام الاجتماعي
وفقا للدراسة، ينبغي على مطوري شبكات الإعلام الاجتماعي العرب التركيز على يوتيوب، وفيس بوك، وتويتر. وتحتاج الجوانب التالية للتطوير في ضوء الإعلام الاجتماعي: التعليم والتعلم؛ والألعاب والترفيه؛ وصناعة ومراكمة المحتوى؛ وتعزيز استهداف المستخدمين بناءً على تخصيصاتهم؛ وفهرسة البيانات والإحصاءات.
وأكبر التحديات التي تواجه نماذج أعمال شبكات الإعلام الاجتماعي هو بناء منصة ذات مردود كبير، خاصة وأن حواجز دخول المنافسة كبيرة جدًا. ولكن ما زالت تكمن احتمالات نمو كبيرة في هذا المجال، وخصوصًا على جانب الموبيل. ونموذج الإعلان هو الأكثر شيوعًا في سوق الإعلام الاجتماعي، ولكن تلجأ بعض الشركات أيضًا لبيع المحتوى الإلكتروني والسلع الافتراضية لتوليد دخل إضافي.
انقر هنا لقراءة الدراسة بالتفصيل!